نهضة علمية جبارة، قام بها المسلمون على رغم الأحداث العاتية التي حملوا أعباءها، والحروب الطاحنة التي خاضوا غمارها.
لأن الأحداث والخطوب، وإن بلغت من العنف ما بلغت، لا تستطيع أن تقف في طريق العقائد التي انطوت عليها القلوب، وانفعلت بها النفوس، ولا أن تمنع العزائم القوية من الوصول إلى أغراضها وأهدافها.
وبهذه النهضة العلمية الجبارة، استطاع المسلمون أن يعملوا عمل الأقوياء لأن العمل لبناء المجتمعات في دينها ودنياها لا يصدر إلا عن إرادة قوية دافعة، والإدارة القوية الدافعة لا تصدر إلا عن العلم.
وبهذه النهضة العلمية، استطاع المسلمون في سرعة لم يعهد لها مثيل في تاريخ النهوض أن ينتقلوا من أمة الأمية، والانطواء على النفس إلى أمة العلم والقيادة الفكرية العالمية، وأن يصبحوا أساتذة العالم، وقادة الفكر، ورواد العلوم والفنون، يدرسونها للأجيال المعاصرة كأحسن ما يكون الدرس والتعليم، ويدونونها للأجيال المقبلة كأحسن ما يكون التأليف والتدوين، وينشرونها في شعوب كانت تائهة في عماء الجهل وظلمته.
فقد كانت بعوث الأمم، تفد على العواصم الإسلامية من كل ناحية، فيأخذون من علمائها ما شاءوا من أفانين العلوم وألوان المعرفة، ثم يعودون إلى بلادهم حاملين إليها مشاعل هذه العلوم التي أخرجتهم من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة ونفحت فيهم روح الحياة، وفتحت لهم طريق الانتفاع بأصلين عظيمين من أصول الإصلاح الإسلامي، وهما حرية الفكر، واستقلال الإرادة.
كما شهد بذلك المنصفون من علماء الغرب، فيما كتبوه لمرضاة العلم في ذاته.