ومع ذلك لا يستحي ذلك الخَرَّاص أن يطمس على ذلك الجانب المأساوي كله ليريك بدلا عنه جانبا آخر مملوءا باللغو واللهو والعربدة!.
ويقف الأصفهاني بقرائه هنا على صفحات من حياة المغني عبيد بن سريج 17/42 ويبدؤها بالحديث عن تنسكه إذ كان قد أقلع عن احتراف الغناء ولزم المسجد الحرام ثم المسجد النبوي، كما يفعل في أيامنا أولئك التائبون المتطهرون من سفاهات الماضي..
يقول الأصفهاني: "إن سكينة قد اغتمّت غما شديدا لتوبة ابن سريج واقلاعه عن الغناء، وتوسطت خادمها أشعب لاستخراجه من عزلته واستقدامه ليُسمعها ولو صوتا واحدا.. وبذل أشعب العجائب من حيله إلى أن أكره التائب على زيارة سيدته فجاء به، ودخلا عليها.. وجعلت تعاتبه على جفائه.. وتحدثا ساعة ثم استأذنها ابن سريج بالانصراف، فأبت عليه ذلك وراحت تطوقه بالموانع التي لا قِبَل له باختراقها":
تقول السيدة - بزعم الأصفهاني – "برئتُ من جدي إن أنت برحت داري ثلاثا، وبرئت من جدي إن لم تغنِّ إن خرجت من داري شهرا، وبرئت من جدي إن أقمت في داري شهرا إن لم أضرِبك لكل يوم تقيم فيه عشرا، وبرئت من جدي إن حنثت في يميني أو شفَّعت فيك أحداَ.."ولا داعي للتوقف على هذه البراآت، بل هذا اللغو الذي يعزوه إلى حفيدة رسول الله دون حياء ليجعل منه مواثيق تُلزم المغني بالنكوص عن توبته وبالعودة إلى ماضيه الشيطاني نزولا على رغبتها.
بإزاء هذه العزائم الغريبة لم يستطع ابن "سريج فكاكا من الأسر إلا بإرسال صوته ببعض الألحان تحلة للقسم فاندفع يغني:
أستعين الذي بكفيه نفعي
ورجائي على التي قتلتني
ورقت الطاهرة لهذا المغني فجعلت تذكره بفضائل الصبر، وفي غمار النشوة أخرجت دملجاً من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا وأقسمت عليه إلا أدخله في يده، ومن ثم بعثت بأشعب إلى عزة الميلاء تدعوها للمشاركة في هذه المناسبة.