وقال في إعراب: (سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) (1) :
"سَواءٌ "في الأكثر لا ترفع الظاهر إلا أن يكون معطوفاً على المضمر، نحو: مررت برجلٍ سواء هُوَ والعَدمُ، ولاتجدُ صِفةً هكذا، وهو هنا مبتدأ و"عَلَيهم"من صلته و (أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) في موضع خبره، ويكون بمنزلة إنْ خيرٌ منك زيدٌ! ان مثلُك عمرو.
وكان الأصل أن يكون "خَيْرُ"هُوَ الخبرُ وعمروٌ المبتدأ، لأن عمراً المخبرُ عنهُ في المعنى لكنهم لمَّا أرادوا تقديم خير للاعتناء به وخبر إن لا يتقدم على اسمها قلبوا فجعلوا (خيراَ مِنْكَ) مبتدأ وعمرو الخبر، وكذلك الآية؛ لأنَّ الإنذار وعدم الإنذار هو المخبر عنه لا
ـــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 6.
"سواء" فلما أرادوا أن يضعوا الإنذار وعدم الإنذار موضع ذلك (أَأَنْذَرتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم) قلبُوا وجعلُوا المخبر عنه خبراً لأنَّ الجملة لا تقعُ موقع المبتدأ وتقع موقع الخبر.
فإن قلت: قد جاء: "الحمدُ لِلَّهِ تَمْلأ الميزانَ.. "وما أشْبَهَ هذا.
قلت: الحمدُ لِلَّهِ هُنا هو المخبرُ عنهُ وليست جملة وُضِعت موضع المخبر عنه كما في (أأنذرتهم أمْ لَمْ تنذرهم) .
ومن قال: إنّ "أأنذرتهم"في موضع المبتدأ و"سَوَاءٌ"خبر فقد قال ما لا نظير له. وكذلك من قال: "إنَّ أأنذرتَهُم"فاعل بـ"سَواء" و"سواء"خبر "إنّ مقدمٌ فقد أخطأ، لأنَّ الجملة لا تقع موقع الفاعل فلَيْسَ في هذا إلا ما ذكرته مِنْ جعل الخبر مُبتدأ وجعل المخبر عنه خبراً على جَهِةِ الاتساع، فتكون بمنزلة: إنْ خْيراً مِنك زَيدٌ وانْ مِثْلَك عمروٌ، ولمَّا لم يكن الخبرُ يحتاجُ إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ لم يكن في هذه الجملة ضميرٌ يعودُ إلى "سواء"، لأنَّ الإِنذار وعدم الإنذار هو المبتدأ في الأصل و"سَواءٌ عَلَيهم "هو الخبر في الأصل فلا يحتاجُ "سَواء"إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ، وهذا بَيّن.. (36) .