ويبدو أن علي بن أبي طالب رأى في مشاعر جنده تغيرا إزاء قتل من قتل من أبنائهم وإخوانهم وأقاربهم من الخوارج، فلما بلغه أنهم دفنوهم قال: أتقتلونهم، ثم تدفنونهم، وأمر بالرحيل [72] ، وذكر ابن أبي شيبة عن بعض جند علي أنهم قالوا: غرّنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم ولكن الناس سكنوا وفرحوا لما وجدوا جثة ذي الثدية بين قتلى الخوارج [73] .
ولاشك أن مباينة الخوارج وقتلهم أضعف جانب علي كثيراً، ثم تتابعت الفتوق على علي من بعد، فخرج الخريت بن راشد، وقيل اسمه الحارث بن راشد، في قومه من بني ناجية، وكان من ولاة علي على الأهواز، فدعا إلى خلع علي، فأجابه خلق كثير واحتوى على البلاد وجبى الأموال، فبعث إليه علي جيشا بقيادة معقل بن قيس الرياحي فهزمه وقتله [74] .
وأخذت أطراف علي تتعرض للغارات من جانب معاوية في عين التمر وهيت والأنبار والقطقطانة والبصرة وتيماء والحجاز واليمن تدعو الناس إلى احترام ما قضى به الحكمان بتقديرهم [75] ،فوجه علي الجيوش إلى صد هذه الغارات، وطمع أهل الخراج في ناحية علي في كسر الخراج، وانتقض أهل الأهواز، ولابد أن عليّا واجه من أجل ذلك بعض الصعوبات المالية والعسكرية وقد روي عن الشعبي في هذا الخصوص قوله:
لمّا قتل علي أهل النهروان، خالفه قوم كثير، وانتقضت عليه أطرافه، وخالفه بنو ناجية، وقدم ابن الحضرمي البصرة وانتقض أهل الأهواز، وطمع أهل الخراج في كسره، وأخرجوا سهل بن حنيف عامل علي بن أبي طالب من فارس [76] .
وفي مصر، تقدم عمرو بن العاص من الشام بجيش إلى مصر، وقيل بقيادة معاوية ابن خديج الكندي [77] ، فلم يقو محمد بن أبي بكر والي مصر من قبل علي على ردهم، ولم يقدر علي بن أبي طالب على إنجاده وهزم محمد وقتل وصارت مصر إلى جانب معاوية، ولابد أن معاوية قوى جانبه بصيرورة مصر إلى صفه ماليا وبشريا وعسكريا.