والذين قالوا بأن علة المنع خوف اللبس بين التعجب من الفاعل وبين التعجب من المفعول، أجازوه إذا أُمِن من اللبس، وقد ذهب هذا المذهب خطّاب الماردي [122] ، وهو اختيار ابن مالك، قال في شرح الكافية الشافية: "على أن فعل المفعول إذا لم يُجهل معناه ببناء فعل التعجب منه جاز صوغ (أَفْعَلَ) و (أَفْعِلْ) من لفظه، نحو: ما أزهى زيداً!، وما أعناه بحاجتك!، وأصلهما: زُهِيَ وعُنيَ، فصيغ منهما فعل التعجب، لأن المراد لا يجهل، بخلاف "ضُرِبَ زيدٌ"، فإن قولك فيه: ما أضرب زيداً! , يوهم خلاف المراد، فلم يجز" [123] فذهب خطّاب وابن مالك إلى أن ما لا يُلبس لا يقتصر فيه على السماع، والجمهور لا يُجَوِزُّونه إلا فيما سمع [124] .
وهذا مذهب قَصْدٌ، أخذ من كل قول أحسن ما فيه، وسلم مما يمكن أن يؤخذ عليه، فاستبعد علل القوم، ولم يغد بحاجة إليها، وبُني على استقراء الوارد عن العرب، فلم يُهمل السماع كما فعل الجمهور، ولم يتسع كما اتسع الكوفيون ومن وافقهم، مما جعله أولى بالاختيار عند المحققين كابن مالك وغيره، بل هو الذي يوفق بين الأقوال جميعها، بحيث لا يُبطل القياس ولا يهمل السماع، ويسلم القائل به من تحكم المذاهب الأخرى.
وقد يقال: ألا تكفي الأمثلة الواردة لاختيار مذهب الكوفيين، وترك غيره؟
فالجواب أن يقال:
إن هذه االأمثلة كثيرة من حيث العدد، ولكنها لم تسلم من المعارض، إذ ورد عن العرب التعجب من فعل الفاعل كثيراً، حتى صار الكثير مما يخالفه بالنسبة شيئاً يسيراً، لا يصلح للقياس عليه؟ والكثرة والقلة في القياس نسبية، فقد نقيس على القليل، إذا لم يرد له مما ينقضه، ونمتنع من القياس على الكثير لوجود ما ينقضه.
ولهذا كان اختيار مذهب خطّاب وابن مالك نتيجة مناسبة لهذا البحث، مما يمكن أن نخرج منه بقاعدة أو خلاصة: