وذهمب المجيزون للتعجب من فعل المفعول، ومنهم الفراء، وابن كيسان، والزجاج والزمخشري، وابن خروف، وابن الطراوة، ذهبوا إلى: أن المجرور بالباء بعد (أَفعِل) موضِعُهُ النصب لا الرفع، فهو في حقيقته مفعول لا فاعل [92] وبناءً على هذا قالوا: إن مما يدل على أن معنى الهمز التعجب لا التعدية " أن الفعل الذي يُعدى باطراد، يجور أن يعدى بحرف الجر، وبالتضعيف، نحو: جلست به وأجلستُه) جَلَّسْتُه (، وقمت به، وأَقمْتهُ) وقَوِّمْتُهُ (، ونظائرها، وهنا لا يقوم مقام الهمزة غيرها، فعلم أنها ليست للتعدية المجردة أيضا، فإنها تجامع باء التعدية، نحو: أكرم به، وأحسن به، ولا يجمع على الفعل تعديتين [93] .
وواضح أن هذا مبني على القول بأن (أَفْعِل) [94] في التعجب فعل أمرٍ فاعله ضمير مستتر وجوبا، والجار والمجرور متعلق به، وقد اختلف فيه، فذهب الجمهور ومنهم سيبويه إلى أن (أفعِل) صورته صورة الأمر، ومعناه الماضي من (أَفعَلَ) أي: صار ذا فعل، كألحم، أي: صار ذا لحم، والباء حرف جر زائدة زيادةً لازمة، وما دخلت عليه هو الفاعل، لأنه لا فعل إلا بفاعل, وليس معنا ما يصلح أن يكون فاعلا إلا المجرور بالباء, وهو الذي قد كرُم وحسن، فاللفظ محتمل، والمعنى عليه, وإنما لزمته الباء لتؤذن بمعنى التعجب بمخالفة سائر الأخبار.
وقد ضُعّف قول الجمهور بأمور منها:
1- أن الأمر بمعنى الماضي مما لم يُعهد، بل جاء الماضي بمعنى الأمر، نحو: اتقى امرؤٌ به، وبأن (أَفعَلَ) : صار ذا كذا، قليل، والمطرد زيادتها في المعقول [95] .
"فقال الفراء وتبعه الزمخشرى وابن خروف: إن (أَحسِن) أمر لكل أحد بأن يجعل زيداً حسناً، وإنما يجعله حسناً كذلك بأن يصفه بالحُسن، فكأنه قيل. صفه بالحسن كيف شئت، فإن فيه منه كل ما يمكن أن يكون في شخص، كما قال:
فإن وجدت لساناً قائلاً فقُلِ
وقد وجدت مكان القول ذا سعة