قلت: وسالما هذا وثقه يحيى بن معين [211] ، وقال أبو حاتم: "كان من خيار المسلمين" [212] لكن كنيته أبو عبد الله [213] ، وقد ذكر شيخنا المزي في الأطراف أن حديث الحوض هذا رواه أحمد بن صالح [214] ، عن أبي ضمرة، أنس بن عياض [215] ، عن إبراهيم بن أسيد، عن جده أبي أسيد، عن أبي هريرة، قال: "فكأنه نسبه إلى جده"، وقد أخرج أبو داود في سننه بالسند الذي ذكراه أولا حديث "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات" [216] . فيكون حسنا عنده على قاعدته [217] ، ففي هذا الحديث بيان لما سقط من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وهذا هو الصحيح، فإن جربا وأذرح قريتان متقاربتان جدا، بحيث يسمع أهل كل قرية النداء من الأخرى، وهما بين بلد الصنعان [218] ، وبلد الشوبك [219] , على جادة الطريق، شاهدتها [220] قريب أذرح ليلة، ولا يعرف مكان [221] يسمى بهذا الاسم غيرها. قال الحازمي: "كان أهل جرباء يهودا، كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمان، لما قدم عليه يحنة بن رؤبة [222] ، صاحب أيلة، بقوم منهم، ومن أهل أذرح، يطلبون الأمان، وهذا يدل على تقاربهما [223] ، كما شاهدته، وقول ابن وضاح في أذرح: إنها فلسطين، فوهم بلا شك. فإن الذي قال [224] الحازمي [225] والبكري [226] ، وصاحب الغريب في شرح مسلم [227] ، وغيرهم: إن أذرح مدينة في طرف الشام، في قبلة الشوبك، بينهما وبينه نحو نصف يوم، وهي في طرف الشراة، في طرفها الشمالي.

وأما اختلاف الأحاديث في تقدير مساحة الحوض، أوردنا الله إياه بفضله وكرمه، فالكلام عليها مشهور، وأحسن وجه قيل فيه: إن التقدير كان في كل وقت بحسب ما يفهم الحاضرون من المسافة، مع تقارب ذلك، وأنه نحو شهر، والمقصود منه هو التنبيه على الموضع الناقص من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-، وإزالة الإشكال [228] عنه وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015