وبما روي عن ابن عباس (1) رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول " (2) .

فالحديث الأول خاص في الأمر بالشرب من أبوال الإبل. والحديث الثاني عام يشمل الأمر بالاستنْزاه من كل بول، أبوال الإبل وغيرها. وقد اختلف حكمهما بالنسبة لأبوال الإبل فاقتضى الأول جواز شربها للتداوي واقتضى الثاني عدم جواز شربها ضمن دلالته على.

وجوب الاستنْزاه والابتعاد عن كل بول المستلزم لعدم الشرب. وذكروا أن الحديث الثاني ورد بعد الأول.

وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى أن الخاص يخصص العام. وذهب الحنفية إلى أن العام ينسخ الخاص.

أدلة الجمهور:

استدل الجمهور بأدلة منها ما يلي:

أ - أن الخاص المتقدم على العام كالمعهود بين المتكلم والمخاطب. فإذا أطلق العام انصرف إلى الخاص. كما هو جار في انصراف الخطاب عند الإطلاق إلى المعهود. ومعنى انصراف العام إلى الخاص، أن الخاص لما سبق وعرف حكمه أصبح عالقاً بالذهن معهودًا فيه، فعندما يأتي العام - وهو متناول للخاص المتقدم - ويخالف حكمه حكمه يتبين أن المراد من العام غير الخاص فيختص حكم العام بأفراده التي تبقى بعد خروج أفراد الخاص من حكمه، فيكون الخاص المتقدم مخصصاً للعام المتأخر عنه.

وقد اعترض على هذا الدليل: بأن هذا رجوع إلى محل الخلاف، لأن معنى كون الخاص كالمعهود أن المتكلم بين بما تقدم من الخاص أنه أراد بالعام سوى ما يتناوله الخاص. وكذلك السامع إنما يفهم منه ذلك. وهذا عين محل الخلاف فلا احتجاج به. إذ لا يحتج بمحل الخلاف لإثبات أحد طرفيه.

2 - لو لم يخص العام بالخاص المتقدم عليه للزم إما إلغاء الخاص بناء على جعله منسوخاً بالعام أو إهمالهما معاً بناء على التوقف. وكلا الأمرين لا يجوز المصير إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015