سادساً: إن التفريق بين النسخ والتخصيص من حيث جواز تأخير بيان الأول دون الثاني تحكم، لأن الخطاب المنسوخ كان ظاهراً في تناوله لجميع أوقات الحياة، كما أن العام ظاهر في تناوله لجميع الأفراد، فالأوقات في المنسوخ بمثابة الأفراد في العام، فإذا كان المخاطب يعتقد في العام إرادة جميع الأفراد فإنه في الخطاب الذي يراد نسخه يعتقد أيضاً إرادة جميع الأوقات. فإذا جاز رفع حكم الخطاب الظاهر في تناول جميع الأوقات بدليل متأخر جاز أيضاً تخصيص ما يتناوله اللفظ في تناوله لجميع الأفراد.

ثمَّ إن المكلف كما يتمكن من العمل بما يطابق ما يراد من المنسوخ في نفس الأمر، فإنه أيضا يتمكن من العمل بما يطابق ما يراد من العام في نفس الأمر لأن التخصيص لا يتأخر عن وقت العمل، وقبله لا عمل للمكلف كما ذكرنا إنما العمل يبدأ بعد التخصيص وبعده يكون المكلف قد علم ما يراد من العام في نفس الأمر، فيكون عمله مطابقاً له.

هذا ومن نظر في عمومات القرآن الكريم والسنة الشريفة يرى كثيراً منها خصصت بأدلة متأخرة عنها مثل قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (1) فهذا عام ثم ورد بعده قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} (2) مخصصاً لعمومه متأخراً وكذلك بقية الأعذار، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في الخضروات صدقة" (3) ، ثم قال بعد ذلك: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" (4) ، ومثلٍ قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} (5) ، ثم ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاة شاة" (6) بعد ذلك متأخرا.

الحالة الثالثة: تقدم الخاص على العام

ومثلوا له بما روي عن أنس قال: "قدم أناس من عكل - أو عرينة - فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها ... الحديث ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015