ج - على فرض تسليم أن الآية تتناولهم فإن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} لا يكون تخصيصا أيضاً لأنهم خصوا بالعقل، ذلك أن العقل يقضي بأن الجريمة إذا صدرت عن الغير لا تكون سبباً في تعذيب من لم يقترفها ولم يدع إليها ولم يرض بها. والمسيح والملائكة طبعاً لم يدعوا إلى عبادتهم لهم ولم يرضوا بها، فالعقل يخرجهم من عموم الآية الأولى فيكون هو المخصص، لا الآية الثانية. وإنما هي تأكيد لما حضر في عقولهم عند الخطاب بالآية الأولى. فالمخصص إذاً كان مقارنا للآية، ودعوى تأخره في خير المنع (1) .

2 - قال الله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين} (2) فهذه الآية الكريمة عامة تعم من في القرية، المؤمنين وغيرهم، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام للملائكة الذين قالوا له هذا الكلام الكريم: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ، فبينوا بعد ذلك تخصيص عموم هذه الآية، وإخراج لوط ومن معه من المؤمنين بالقول الكريم: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَه} (3) ولم يكن هذا التخصيص إلا بعد سؤال إبراهيم عليه السلام فلو لم يكن التخصيص بالمتراخي جائزاً لما أخروه

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن التخصيص لم يتأخر عن هذه الآية بل اقترن بها، ويدل على ذلك قول الملائكة: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين} فإن هذا تعليل للهلاك دل على تخصيص الهلاك بالظالمين، وأن من لم يكن ظالماً لا يدخلِ ضمن من يلحقهم الهلاك، ولم يكن لوط ومن معه ظالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015