وشهد المقدسي عصر خلافة الناصر لدين الله أحمد بن المستضيئ، وقد تميز عهده بقوة صلاح الدين الملك الناصر، يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب، الذي كان سلطان زمانه له السيادة والقيادة، أذاق الفرنج الذل والهوان، وهو بحق السلطان الكبير، والمجاهد في سبيل الله، افتتح بسيفه وبإخوته بلاداً، من اليمن إلى الموصل، ومن طرابلس إلى أسوان [80] ، فارتفعت به هام المسلمين وخدم السنة والدين.
ومن أحداث عصر المقدسي:
1- موقعه الزلاقة في الأندلس، كان جيش المسلمين فيها يقدر بمائتي ألف، ما بين فارس وراجل، واجه جيش الفرنج المقدر بمائتين وأربعين ألفا، وكانت الدائرة في هذه الموقعة على الأعداء، ونصر الله جيش المسلمين، فقتلوا مائة وأربعين ألفاً من الفرنج وأسروا منهم ثلاثين ألفا، وغنموا ثمانين ألف فرس، ومائة ألف من البغال حتى بخست أثمانها عند بيعها [81] .
2- ما حل ببلاد مصر من القحط، والوباء المؤلم المفرط، فخربت الديار، وجلى عنها أهلها، كان ذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة، وفي التي تليها اشتد البلاء، حتى أكلوا لحوم الآدميين، وأكثر قرى الإقليم لم يبق بها آدمي، وكان يخرج من القاهرة في اليوم نحو خمسمائة جنازة حتى سجل في ديوان الهالكين نحو مائة وأحد عشر ألف في نحو سنتين [82] .
3- وقوع زلزلة بالشام، كان من هولها ما لا يوصف، كادت لها الأرض تسير سيرا، والجبال تمور مورا، وما ظن الناس إلا أنها القيامة، جاءت دفعتين، دامت الواحدة مقدار ساعة أو أزيد، وقيل إن صفد لم يبق بها سوى رجل واحد، ونابلس لم يبق بها حائط، ومات بمصر خلق كثير تحت الردم [83] وسبق أن حدث لدمشق زلزلة عظمى في سنه ثلاث وثلاثين ومائتين، دامت ثلاث ساعات، سقطت الجدران، وهرب الناس إلى المصلى يجأرون إلى الله، ومات خلق تحت الهدم، وامتدت الزلزلة إلى أنطاكية، فقيل هلك بها عشرون ألفا تحت الهدم [84] .