ولد المقدسي رحمه الله في خلافة المقتفي لأمر الله، محمد المستظهر بالله، وهو عبارة عن رمز للخلافة، وليس بيده من أمور الدولة شيء، ويعتبر هذا التاريخ عمق ضعف الدولة العباسية، فقد انفرط عقد الخلافة العباسية، وبدأت الانحدار من أوج قوتها بعد موت المعتصم وإن كان ابنه المتوكل جعفر أصلح ما أفسده جده المأمون، وأخوه الواثق هارون من أمر العقيدة فأمات بدعة القول بخلق القرآن وهذا العمل أبرز حسناته [76] ، ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يعانون من الضعف السياسي، وشتات الأمر، وكان ظهور الدويلات، والممالك الإسلامية وبالاً على وحدة المسلمين، وإضعافاً لقوتهم، فسادت الفوضى السياسية، واندلعت الحروب بين المسلمين، فأضرمت نار الهلاك، وكثر النهب والسلب، ووجد الإفرنج فرصة سانحة لضرب المسلمين في عقر دارهم، ونشطت الفرق الهدامة.
كما عاصر المقدسي رحمه الله خلافة المستنجد بالله بن المقتفي، ولم يكن أحسن حالاً من أبيه، فكان من أبرز أعماله في بداية عهده الاشتغال بالصيد، في الوقت الذي كانت الممالك نشطة في الغارات والحروب والاستنجاد بالفرنج [77] .
وقد عايش المقدسي رحمه الله خلافة المستضيئ بأمر الله الحسن بن المستنجد، كان خيرا من أبيه ومن أحداث عهده، إبطال مظالم كثيرة، وانقطاع الدعوة العبيدية والحمد لله [78] .
وعاصر المقدسي رحمه الله أحداث الملك نور الدين صاحب الشام، وكان ملكاً مجاهداً، محاسنه جمة، في دينه وشجاعته، وغزواته وفتوحاته، ومساجده ومدارسه، وبره وعدله، وقد أبطل المكوس، وأبلى بلاء حسناً في دك حصون الفرنج والاستيلاء عليها، وله آفاق قتالية واسعة، جرت أحداثها سجالاًَ بينه وبين الفرنج [79] .
وعاصر المقدسي رحمه الله صلاح الدين الملك الناصر، الذي رفع راية الجهاد، مؤيداً منصوراً بجيوش الإسلام.