نشأ الإِمام الزركشي في ظل أسرته وهي أسرة لم تكن ذات شهرة في الأوساط الاجتماعية ولم تذكر بعلم، ولا وجاهة، أسرة مسلمة تعيش في بلاد إسلامية وذكر أن أباه كان مملوكا [32] ، وفي نظري أن لهذه الحالة الاجتماعية بعد توفيق الله عز وجل دوراً بارزاً في بعث هذا الفتى النابغ، إذ بدأ حياته بتعلم حرفة تعينه على شئون حياته، فبرع في حرفة الزركش، لكن طموحه وهمته العالية أبت عليه الوقوف عند هذا الحد فبادر بفضل الله وتوفيقه إلى طلب العلم، وهذا ما سنعرفه فيما يلي من الدراسة.
سعيه في طلب العلم:
ما من شك في أن الله عز وجل إذا أراد بعبد الخير يسَّر له سبله، وبعث في نفسه همة عالية لإدراك المراد، والزركشي رحمه الله أجاد حِرفة تُدِرّ عليه معاشاً في حياته، لكن الله عز وجل أراد له أفضل من ذلك، فأثار في نفسه الرغبة الشديدة في العلم، فأحبه، وصبر على تحصيله، وبادر إلى منابع العلم فلازم الشيوخ، وعايش الكتب، ونوّع مصادر المعرفة، حتى ضرب في ذلك مثلاً للجد والمثابرة، والصبر والمصابرة، فاستوعبت ذاكرته العديد من العلوم، واعتمد على ذاكرته بعد توفيق الله، وما يدون من الكتب إذ لم يشتر كتاباً، بل كان يقضي نهاره فيِ حوانيت الكتب [33] ، يقرأ ويفهم، ويدون ما يروق له، وهكذا كان جمَّاعاً للعلم حريصاً عليه، مقتحماً كل عقبة كؤود في سبيله، إنها بداية الجد والاجتهاد والصبر والمثابرة.
رحلاته: