تقدمت الإشارة إلى أن الصحيحين وقعا من قلوب المسلمين موقعاً عظيماً وذكرت أن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول نتج عن هذه المكانة العظيمة للكتابين أن العلماء شمروا عن سواعد الجد والاجتهاد في البحث العلمي الهادف إلى خدمة الكتابين ببيان ما فيهما من كنوز وإيضاح ما يشكل على طلاب العلم فكان من هؤلاء من اعتنى بالشرح والتفصيل في الجوانب الحديثية والفقهية واللغة كالحافظ ابن حجر في شرحه صحيح البخاري (فتح الباري) والنووي في شرحه صحيح مسلم ومنهم المخرج عليهما، والمستدرك، والموازن بينهما، وَكان من بين المشتغلين بالصحيحين الإمام المقدسي الذي طلب منه أن يجرد ما اتفق عليه الشيخان في كتاب مستقل، فبادر رحمه الله إلى إجابة طالبه وشمر للجد سواعده فدون جملة من الأحاديث شرط على نفسه أنها مما اتفق عليه الشيخان، أودعها كتابه الموسوم (بعمدة الأحكام من كلام خير الأنام) فشاع ذكره عند الخاص والعام، واعتنى الأئمة بخدمته ولا غرابة فالرابط بينه وبين الصحيحين كبير جدا، والمقدسي إمام يشار إليه بالبنان، فكان لكتابه هذا حظ وافر من عناية الأئمة فمنهم الشارح له كابن العطار [26] ، وابن دقيق العيد [27] ، وابن الملقن [28] ، وممن أدلى بدلوله في هذا المجال الإمام الزركشي إذ عَنّ له أن يتتبع عمل المقدسي ويطبق عليه شرطه ليخرج بتصحيحات مفيدة، ونكت علمية نافعة أحسن الله مثوبتهم أجمعين ووفقنا لخدمة كتابه وسنة نبيه الكريم.
القسم الأول
الفصل الأول: ترجمة الإمام الزركشي
نسبه: هو بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله [29] بن بهادر، المنهاجي [30] ، الزركشي [31] .
مولده: ولد الزركشي في سنة خمس وأربعين وسبعمائة من الهجرة في مصر، من أصل تركي.
نشأته: