إنه إسلام سلبي، لا يتدخل في المجتمع والحياة، بل يترك الحبل على غاربه، ويدع جيله تحت رحمة الموجبات المادية الطاغية والأفكار السامة والأدب المائع، فيترك المجتمع فريسة سهلة ولقمة سائغة أمام ذئاب الإنسانية ووحوش الحضارة، وقراصنة السياسة، ولصوص الدين والأدب، ويظن أنه سينجو بنفسه ويقول كما قال ولد سيدنا نوح عليه السلام {قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} ثم لم يلبث أن يجرفه التيار المارد العنيف، وتسوقه هذه ((السلبية البريئة)) إلى كل ما عافه قديما واستنكفه، ومقته، ومجه {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} .
إن هذا الإسلام يعيش جنبا إلى جنب مع كل كاتب يبيع الهوى وينشر المنكر ويروج بضاعة الفحشاء مع كل أديب يحسن الكتابة، ويجيد الوصف ولو تطاول على ذات الله عز وجل، ومقام الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستمع بكل أناة وصبر وشرح صدر إلى كل حوار لبق وكلام شيق، وحديث حلو، ولو كان حالقاً للدين، ماحقا للإيمان، هادما للأخلاق، وينظر إلى كل صورة على الشاشة ولو ذهبت بالحزم والحلم، واللب والعقل، وأطارت الرشد والصواب.
هذا الإسلام يمشي مع سائر التقلبات والموضات الفكرية والمذاهب الاجتماعية والسياسية، والحركات التقدمية الثورية، في الهند الصينية أو أمريكا اللاتينية، ومع كل فريق من المغنين والمصورين والهائمين والحالمين والشذاذ الأفاقين، لأن ((تمشي)) هذه ((الكلمة السحرية)) تضع في يد هؤلاء القوم ((ورقة مرور)) يتعدون بها كل حد، ويحطمون بها كل سياج، ويهيمون بها في كل واد وناد.
إنه إسلام ((السالمين)) لا المسلمين، في تعبير أصح وأفصح، لأنه يسالم جمع الألوان والأنواع الحضارية الموجودة في العالم المعاصر، ويتبع كل سبيل غير سبيل الرشد.