ثم كيف نقلت هذه المضغة من حال إلى حال أخرى حتى تصورت إنسانا ونفخت فيه الروح متكاملا بعظام وأعصاب وعروق وأوتاد ولحم وتقاسيم عجيبة من رأس وسمع وبصر وأنف ويدين ورجلين وغير ذلك مما يعجز جميع البشر أن يخلقوا مثله، ثم بعد خروجه أنظر العجائب المركبة فيه من الإحساس وتحرك مفاصل العظام التي هي ثلاثة وستون مفصلا والعضلات التي تزيد على خمسمائة عضلة، وقد جعل لكل عضلة وعضو عملا يخصه، وانظر مع كثرة بني آدم لا يماثل واحد آخر فلا بد من مميز بينهما، وانظر معتبراً كل ذلك مما يتذكر به أولو الألباب إن هذا الخلق لهم ربٌّ واحد خلقهم أول مرة وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وإليه يرجعون فإذا عرفت أيها العبد هذه العجائب وغيرها في نفسك فتفكر في الأرض التي هي مقرك وما فيها من أنهار وبحار وجبال وأشجار ومعادن وغير ذلك، وجعلها الله لنا ذلولاً نسعى في مناكبها ونأكل من رزقه وجعلها لنا كفاتاً أحياء وأمواتاً، وانظر كيف تخرج لنا من النباتات والأشجار التي فيها معاشنا، وانظر إلى الحيوانات التي خلق أكثرها لمنافعنا كيف تنوعها وأشكالها وما فيها من العجائب التي لا نشك أن لها خالقاً عظيماً هو الله سبحانه وتعالى، وانظر إلى الهواء اللطيف الذي يدرك بالحس ولا يرى بالعين قد جعل لحايتنا ومنافعنا، وانظر إلى عجائب الجوِّ وما يطرأ عليه من الغيوم والرعد والبرق ونزول الأمطار والشهب والصواعق ...