وأول شيء أذكره من هذا الموجز من عجائب بعض المخلوقات العظيمة هو نظر المرء إلى نفسه حيث أمره الله بذلك، قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} وقال تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ, مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ, مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ, ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ, ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ, ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} وقال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى, فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى, أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} وقال تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ, فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ, إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ, فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على بيان مبدأ الإنسان ومنتهاه، ليتذكر أولو الألباب وليعلم كل إنسان أن ذكر النطفة وما ينتهي إليه ليس مجرد لفظ يسمع ويترك التفكر في معناه وما يترتب عليه من الثمرات والنتائج إنما هو مأمور بالنظر والتفكير والاعتبار حول هذه النطفة التي هي قطرة من ماء لو تركت ساعة من الوقت بعد خروجها لفسدت وأنتنت، فكيف خلقها الله وأخرجها ربُّ العزة والجلال من بين الصلب والترائب، وخلق الإنسان من بين ذلك، وكيف خلق الجنين منها وأمده بدم الحيض في الرحم ليكون له كالغذاء، والرحم كالوعاء ينمو ويكبر حتى حين خروجه..