قلت: قوله فالأول قول الخليل: العقر كالجرح.... لا يعني أن العقر هو الجرح وإنما الذي نراه هو أنه أراد أن العقر كالجرح في ضم أوله وسكون ثانيه، ذلك إلى جانب أن هذا التوجيه لا يتنافى مع ما أورده عقب ذلك من قوله "عقرت الفرس، أي: كسعت قوائمه بالسيف"، ذلك أن العقر ليس جرحاً في أي موضع وعلى أية هيئة كانت. ولكنه جرح بالغ ويكون في الأعقاب عرضاً، بحيث يؤدي إلى قطع الأعصاب التي تتحكم في العضلات فتسقط الدابة، ومن ذلك قولهم كلب عقور، لأنه يأتي من وراء الإنسان فيعضه في عقبه أو عضلة ساقة "فيعقره"، وهذا مثل كسع قوائم الدابة، ومن هنا كان ما أردف به من قول القائل: عَقَرْت لي، أي: حبستني، وبهذا تكون الدلالة الأولى للعقر هي التثبيت في المكان واللبث عن السير، بقطع أسباب القيام والسير من الرجلين.
وننتقل إلى الدلالة الثانية التي أورها ابن فارس نقلاً عن شيوخه، وهي "مجتمع الناس والنار في المكان"على النحو الذي أوضحه، أي المكان الذي يلبثون فيه (ويثبتون) معظم أوقاتهم. وهكذا نرى أن الدلالتين التقتا، وأنهما في الحقيقة دلالة واحدة قائمة على معنى الثبات والتثبيت بشكل أو بآخر.... أليس الموت واحداً وإن تعددت الأسباب؟ والتشبع والريّ وإن اختلفت المأكولات والمشروبات؟.
ويلاحظ أثر اختلاف الزاوية المنظور منها في أن الدلالة (الأولى) كان النظر إليها من خلال العلة الكامنة وراء الحدث، ومراعاة لها، بينما كان النظر إلى الأخرى من خلال المكان الذي يتم فيه الحدث، كإطلاق كلمتي السنة والقحط على الجدب، الأولى لعلاقة الظرفية والثانية لعلاقة السببية.
ونسوق فيما يلي مثالاً من العباب يوضح التشابه الكبير بين الصغاني وابن فارس، وذلك حيث قوله في مادة (صرف) : "والتركيب معظمه يدل على رجع الشيء…، وقد شذّ عنه الصِّرْف للصِّبْغ"وقبل أن نمضي قدماً نتساءل أين تقع المعاني التالية من الدلالة على "رجع الشيء":