ومن شواهد بدل الاشتمال الخالي من الرابط قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} [67] وفي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... } آراء واتجاهات في "من"فقد ذهب أكثر النحاة إلى أن "من"بدل بعض من كل فتكون موصولة في موضع جر والعائد محذوف. والتقدير من استطاع إليه سبيلاً منهم. وذكر ابن عصفور أن الضمير قد حذف [68] للعلم به.
وقال الكسائي [69] : "من شرطية فتكون في موضع رفع بالابتداء. ويلزم حذف الضمير الرابط لهذه الجملة بما قبلها وحذف جواب الشرط إذ التقدير. من استطاع إليه سبيلاً منهم فعليه الحج، أو فعليه ذلك. فقد رأى أن حذف جواب الشرط لفهم المعنى أحسن من حذف الضمير من البدل". وقد استحسن ابن عصفور هذا الرأي. والوجه الأول أولى لقلة الحذف فيه وكثرته في هذا، لكن يناسب الشرط مجيء الشرط بعده في قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَر} .
وقيل: من موصولة في محل رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حج فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول ورفع به الفاعل.
وهذا القول ضعيف من جهة المعنى إذ لا يصح أن يكون المعنى أن الله أوجب [70] على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع، ومتعلق الوجوب إنما هو المستطيع، لا الناس على العموم. ويلزم على هذا أن يأثم الناس جميعاً إذا لم يحج المستطيع.
وفي قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} رأى الكوفيون في هذه الآية أن الأصل ناره، ثم نابت أل عن الضمير. وسيأتي بحث ذلك في مكانه. ومما استدل به بعض النحاة على الاستغناء عن الرابط قوله تعالى: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ} [71] بالرفع فامرأتك بدل بعض من كل وقد خلا من الرابط، ومثله قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [72] في قراءة الجميع فالضالون بدل بعض من الضمير المستتر في يقنط ولم يؤت معه بضمير.