وقد عقد المسلمون مع كثير من أهل البلاد العهود والمواثيق، يدفعون بموجبها الجزية للمسلمين، ونظير ذلك يجدون الحرية والأمن، يقول الماوردي: "وأما الجزية فهي موِضوعة على الرؤوس واسمها مشتق من الجِزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغاراًَ، وإما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقاً" ويقول: "فيجب على ولي الأمر أن يضع الجزية على رقاب من دخل في الذمة من أهل الكتاب ليقروا بها في دار السلام ويلتزم لهم ببذلها حقان: أحدهما الكف عنهم والثاني الحماية لهم ليكونوا بالكف آمنين وبالحماية محروسين" [20] .

ومع ذلك فالملاحظ أن المسلمين كانوا يقومون بواجب الدعوة وتبليغ أهل تلك البلاد بالإسلام، فعندما بعث الخليفة عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص إلى القادسية، وجد أن الفرس قد أمّروا على الحرب رستم من الفرخزاذ الأرمني، وأمده بالعساكر فكتب سعد إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمر بن الخطاب: "لا يكربنك ما يأتيك عنهم ولا ما يأتونك به واستعن بالله وتوكل عليه، وأبعث إليه رجالاً من أهل النظر والرأي والجلد يدعونه فإن الله جاعل دعاءهم توهيناًَ لهم وفلجاً عليهم واكتب إليَّ في كل يوم" [21] .

كما تمثلت في أعمال الجهاد عند المسلمين خصال فريدة، فقد وجه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد أن يتآلف الناس ويدعوهم إلى الله عز وجل، وأمره ألا يكره أحداًَ على المسير معه وألا يستعن بمن ارتد عن الإِسلام، وإن كان عاد إليه [22] .

القوة والاستعداد وآلات الحرب من وسائل النصر:

لقد توفرت عند المجاهدين المسلمين قوة العقيدة والإيمان وارتفاع الروح المعنوية بأنهم خير أمة أخرجت للناس لها رسالتها في الدعوة، ولذلك كانوا لا يهابون الموت في سبيل ذلك إذ كان الظفر بالشهادة أمنية المجاهد المسلم مما يؤكد زهده في الدنيا مهما كانت مغرياتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015