وقد وضح هذا المنهج في سياسة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عندما أعلن للمجاهدين حيِن توديع جيش أسامه بن زيد: "لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاًَ كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً، اندفعوا باسم الله" [17] .

ولما كانت الدعوة إلى الإسلام هي الغاية المنشودة لذلك كان المسلمون يعرضون على خصومهم خيارات ثلاثة، إما الإسلام وكانوا يشرحونه ويحسنونِه لهم، وإما أن يقبلوا دفع الجزية، وإذا رفضوا هذين الخيارين فإن الحرب واجبة تأكيداًَ لقول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية [18] وقد أخذت الجزية على أسس من الحق والعدل والرحمة، وتؤخذ على الرجل القادر البالغ العامل الحر، ولا تجب على الأعمى والمسكين وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار، وهي واجبة على جميع أهل الذمة [19] .

ومن ثم أصبح كثير من اليهود والنصارى على دينهم ودخلوا في ذمة المسلمين، بل إن بعضهم شارك في الأعمال الإدارية مثل أعمال الحسابات ومسك الدفاتر وظهرت روح التسامح في معاملة المسلمين لغيرهم حتى أحس أهل هذه البلاد بالطمأنينة والحرية والعدالة وحسن المعاملة في أموالهم وأعراضهم وأعمالهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015