وقال في موضع آخر: "ولا أحسب كثيراً ممن يُعَرِّج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها، من التوهن والضعف - إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألَّف من العدد، ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه. وكان بأن يسمى جاهلاً، أولى من أن ينسب إلى علم".
وقد لا يسلم الإنسان من الوقوع في المهالك إذا لم تكن عنده الخبرة التامة في معرفة الأحاديث، أو يعتمد في ذلك على من اعترف له بالإمامة في هذا الشأن.
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله. عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع".
ومن أجل ذلك قال مالك: "ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدث بكل ما سمع".
وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يُمسك عن بعض ما سمع"
وقال: "إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم من الحديث لا يسمى عالماً".
وقال الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية: "أن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً".
وقال الثوري: "اتقوا الكلبي قال فقيل له: فإنك تروي عنه؟ قال: أنا أعرف صدقه من كذبه".
قال أبو عوانة: "لما مات الحسن البصري رحمه الله، اشتهيت كلامه فتتبعته عن أصحاب الحسن، فأتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه عليَّ كله عن الحسن، فما استمل أن أروي عنه شيئاً".
وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لإن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي".