وهذا القتال لا يعني انعدام معاني الأخوة بين المسلمين، لأنها أصل ثابت لا يؤثر عليه سوى الخروج عن الإسلام بالكفر والعياذ بالله، وهي تذكير أيضا لهؤلاء المتقاتلين بأن الصلات بينهم يجب أن تكون قائمة على هذه الأخوة المقررة في الشرع الإسلامي، وضابطها التقوى التي تلازم الإنسان المسلم في أية حالة كان عليه.
ونجد هذا المعنى أيضا في قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} .
إن كلمة (أخيه) تشير إلى أكثر من معنى، فهي تشير إلى أن حادثة القتل - التي هي موضوع سياق هذه الآية - مهما كانت عظيمة ومستقبحة فإنها لا تقطع روابط الأخوة بين الجاني والمجني عليه، وإن هذه الصلة الوثقى بين المؤمنين هي من صلات الأخوة في الدين وفي العقيدة، وفي الإيمان بالله وبما أنزل من عنده، فالمؤمنون إخوة مهما حصل بينهم ما داموا يؤمنون بإله واحد وبشرع واحد، ويرجعون إلى حكم واحد, وهو حكم الله في الأرض الذي بيّنه القرآن وفصّلته السنة المطهرة.
وكلمة (أخيه) تتضمن هذا المعنى كما تتضمن الإشارة إلى أن العفو يعيد آصر الأخوة إلى عهدها السابق ويزيل الأحقاد ويمحو الضغائن ويخزي الشيطان، فهو معنى مستمد من هذا التوجيه الإلهي الحكيم.
ويقول سبحانه وتعالى - تذكيرا وعرضا لحالة المؤمنين الأولين قبل اعتناقهم الإسلام، وما يجب عليهم تجاه هذا التفضل بالهداية منه سبحانه وتعالى -:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ, وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} .