وقد علم بالتجربة أن من أهون الأمور تخدير (العوام) فرادى وجماعات، فشيء من الغناء المثير للغرائز والكذب المنمق والقول المزخرف والقصص المخترع يؤثر فيهم {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} , فيبتعدون رويداً رويداً عن الحقائق وينأون عن الواقع، ويدخلون في عالم الخيال وظلمات الأوهام، حتى يصعب انتشالهم من ظلمة الوهم إلى وضح اليقين ونور الحق.

فالغناء والكذب والتلفيق هي أفيون سريع الوصول إلى ألبابهم وعقولهم قوي التأثير على أبصارهم فتحجب عنهم الرؤية إلا ما يبصره لهم الزعماء والرؤساء، وفيهم يقول شوقي:

صور العمى شتى وأقبحها إذا

نظرت بغير عيونهن السهام

وكذلك السمع فقد سدوا آذانهم ولم يفتحوها إلا لما يلقيه عليهم الكبراء والسادة وفيهم يقول شوقي:

ياله من ببغاء

عقله في أذنيه

ملأ الجو هتافا

بحياتي قاتليه

ولما بعدوا عن توحيد الحق وإفراده بالعبادة سارعت إلى نفوسهم الآلهة القديمة ولكن بأسماء مستحدثة، وبدلا من تسميتهم آلهة سموهم أولياء، فكما تعلق القدماء باللات والعزى تعلق هؤلاء بالبدوي والجيلاني والتيجاني والدسوقي.

أما هبل الأكبر فيقرن به البدوي وربما زاد عليه، والأدهى من هذا أن أحد الملاحدة في التاريخ الإسلامي قد وجد من أعلى قبره وأنشأ له ضريحا هائلا في عاصمة من كبرى عواصم البلاد الإسلامية بالرغم من انه هو القائل:

العبد رب والرب عبد

فليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك رب

أو قلت رب أنى يكلف

وهي مقالة وحدة الوجود الآثمة المجرمة، وبرغم هذا الإلحاد استغاثوا به وسألوه النفع والضر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015