وأكبر الظن أن السبئيين لم يواصلوا عبادة الله على دين سليمان عليه السلام، بل ارتدوا إلى تقديس آلهتهم المتعددة القديمة وكان من الطبيعي أن يلقوا الجزاء وفاقا على كفرهم وصدهم عن سبيل الله إذ أرسل إليهم سيل العرم. فجرف ديارهم وجناتهم وبدلهم أشجارا ذوات ثمر مر لا يسمن ولا يغنى من جوع، ومن ذلك الخمط وهو الأراك، والأثل وهو نبات الطرفاء والسدر. قال تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} . سبأ: 6 ا-17.

وبعد أن تصدع بناء سد مأرب في القرن الثاني من الميلاد، بعد أثنى عشر قرنا من الزمان، حلت الكوارث بالبلاد، وأصبح من العسير العيش فيها، فلم يملك الناس إلا أن يهاجروا إلى بلاد أخرى ويتفرقوا أيدي سبأ [33] . وقد نظمت أشعار في هذا الحدث التاريخي الكبير أذكر منها قول الأعشى:

وفي ذاك للمؤتسي أسوة

ومأرب عفا عليها العرم

رخام بنته لهم حمير

إذا جاء مواره لم يرم

فأروى الزرع وأعنابها

على سعته ماؤهم إذ قسم

فصاروا أيادي ما يقدرون

منه على شرب طفل فطم [34]

تلك إذن كانت حال الجنوب العربي فيما يتعلق بمعتقدات الناس.

أما في شمالي الجزيرة العربية فقد وجدنا ثمود- قوم صالح عليه السلام - بوادي القرى الذي ذكر في الشعر حيث يقول الشاعر:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بوادي القرى إني إذن لسعيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015