أجل.. إنها نفحات الحرم المبارك، تغمر بروحها كل شيء، فالطيور التي عهدتها تجفل حتى من شبح الإنسان، قد تقع عليك أو تدنوا إليك ولا ترى لها نفرة، إلا أن تخشى منك وطأة الغفلة.. وفي هذه الغمار النورانية يعيش الإنسان آمن السرب، مطمئن القلب، خالي الذهن من كل شاغل يصرفه عن الاستغراق في ملكوت الله …

ولا عجب، إن في مدينة الحبيب لبقية تحسها القلوب من المجتمع الأول الذي أنشأته تربيته المثلى، فكان صورة من الأخوة التي حُدّدت فيها قيمة الإنسان على أساس من الأخلاق دون الأعلاق، فلا ترى هنا أبيض يستكبر على أحمر، ولا تجد في حرمه المطهر من يقول لملون ليس هذا بمكانك، بيد أنك لا تعدم أن ترى في أي لحظة رجلا يصافح جاره وهو يقول له يا أخي.. لا تنسنا من دعائك…

أوليس في هذا السلام والطمأنينة والأخوة والضالة التي يفتش عنها المفكرون، ويتهلف إليها الحزانى والمعذبون..؟ أجل وربي، وسيظلون عبثا يفتشون، وعبثا يكدحون، حتى يعرفوا طريقهم إلى روح هذه البلدة المصفّاة، التي أخبر الصادق الأمين أنها محصنة بالملائكة من الدجال والطاعون.

ولكن.. ولنعلنها صريحة إن هذه النفحة، نفحة السلام والغبطة الروحية، في خطر.. إنما الخطر يزحف من الخارج مع السموم الوافدة من هنا وهناك وهنالك.. تلك التي تريد، بكل ما تملك من قوة الإغراء والإغواء، أن تُعَكّر على الجو الطهور صفاء الفطرة، وأن تصرف القلوب عن ريها الروحي إلى وهم كالماء الأجاج، لا يزداد منه القلب غبّا إلا ازداد ظمأ… تماما كما في الآخرين الذين خدعتهم تلك السموم الدخلية , فسلختهم من أخلاق الإسلام، حتى لم يبق في أيديهم من دليل عليه غير الهوية المزورة…

طور بواسطة نورين ميديا © 2015