كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها تتجنّب كل ملذّات الحياة, وتشق على نفسها, فلا تستعمل طيبا ولا تغسل جسما ولا تقلم ظفراً, وتلبس شرّ ثيابها, وتعتزل المجتمع في بيت صغير وقديم تمكث فيه حولا كاملا تخرج بعده وهي في أقبح صورة وأشنع منظراً وأسوء حالا مما كانت عليه, فتعمد إلى دابة فتغتسل بها فقلّما تغتسل بشيء إلا مات, يحقّق هذا قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي قالت له: يا رسول إنّ ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا" -مرتين أو ثلاثا- كل ذلك يقول: "لا", ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي أربعة أشهر وعشر, وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول". قال حميد: فقلت لزينب: "وما ترمى بالبعرة على رأس الحول؟ " فقالت زينب: "كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها ولم تمسّ طيباً حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعدما شاءت من طيب أو غيره" [55] .
وقد تضمّن هذا الحديث: ما كانت تعانيه المرأة في الجاهلية من الظلم بسبب وفاة زوجها، فمن حزن على فراق الزوج إلى حياة قاسية بعده لمدة حول كامل, بقيت المرأة في الجاهلية على هذا الحال واستمرت زمناً وهي تعاني منها في بداية الإسلام يوضحه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} . (سورة البقرة: 240) .