عرفت في الفصل الأول معنى الحداد, وأنه في اللغة: المنع مطلقا, وفي الاصطلاح: منع المرأة نفسها الزينة والطيب وكل ما يدعو إلى الرغبة فيها زمن الحداد, وذكرنا هنالكَ في أن المعنى اللغوي أعم من المعنى الاصطلاحي لأنه مجرد المنع مطلقا, أما المعنى الاصطلاحي فهو المنع بالنسبة إلى شيء خاص؛ وبناء على ذلك نرى أنه من المفيد أن نذكر أقسام الحداد الجائز منها والممنوع ليكون القارئ على بصيرة؛ لأن الأشياء لا تعرف إلا بأضدادها (وبضدها تتميز الأشياء) فالجائز يعرف ليعمل به والممنوع يعرف لتركه. وإليك تحرير المقام في ذلك:
ينقسم الحداد من حيث الجملة إلى قسمين: جائز وغير جائز، والجائز قسمان: حداد المرأة على زوجها الميت وحدادها على قريبها الميت, فالتقسيم هنا من حيث النوع لا من حيث الحكم لأن الحكم لا يختلف في القسمين إنما الاختلاف في النوع أما زوجها الميت فليس في وجوب الحداد عليه خلاف إلا خلافا شاذاً على ما بيّنا, وقد عرفت الخلاف في وجوب الحداد عليها عند أئمة الفتوى إذا كانت مبتوتة كذلك لم يختلف الأئمة فيما علمت في جواز الحداد منها على قريبها الميت والمتتبع لنصوص الشرع وقواعده العامة يرى أن الحداد إنما يشرع للنساء دون الرجال فالمرأة هي التي تحد على زوجها أو على قريبها لما بينا وما سنبينه قريبا وهاك الأدلة التي تفيد هذا المعنى وإن كنا قد ذكرناها قريباً إلا أنّ المقام يقتضي إعادتها هنا بإيجاز:
1 ـ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} . فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد تضمنت أمرين:
الأمر الأول: أن التربص خاص بالمرأة التي مات زوجها خاصة بها وأن مدة التربص في حقها أربعة أشهر وعشراً)