وأما استدلالهم من طريق النظر: فهو إلحاق المبتوتة بالمتوفى عنها زوجها بطريق الدلالة, وتقريره أن النص ورد في وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بلا خلاف, ومناط حكمه: إظهار التأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها وكفاية مؤنها, والإبانة اقطع لها من الموت حتى كان لها أن تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها فكان إلحاق المبتوتة بالمتوفى عنها زوجها كإلحاق ضرب الوالدين بالتأفيف [46] .

والجواب عن هذا الاستدلال من وجهين:

1ـ أن القياس غير صحيح وذلك لوجودِ الفارق بين المقيس والمقيس عليه, فإن الحداد إنما وجب على المتوفي عنها زوجها إظهاراً للتأسف على فوت زوج وفي لها حتى الموت بخلاف المبتوتة فإن زوجها لم يكن وفياً لها بل على العكس من ذلك فإنه أوحشها بالإبانة فلا تتأسف بفوته.

ومن جهة أخرى فإنه لا مناسبة بين البينونة وبين الموت؛ إذ أن البينونة لا يمتنع معها عود النكاح بعقد جديد بخلاف الموت فإنه لا يتصور عود النكاح بعده, ثم لو سلمنا بهذا في المطلقة لم نسلم به في المختلعة؛ لأنها قد افتدت نفسها برضاها لطلب الخلاص منه فكيف تتأسف.

ب ـ لو سلمنا بأن الحداد يجب على المبتوتة لفوات نعمة النكاح لقلنا بوجوبه على الأزواج أيضا؛ لأن نعمة النكاح مشتركة بينهما.

وهكذا تتصور المسألة بين القول والدليل والاستدلال والمناقشة, والحق واحد ومصيبه واحد, وسبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة راجع إلى أمرين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015