المبحث الأول: كون المرأة المعتدة عاقلة. اتفق الفقهاء على وجوب الحداد على المرأة العاقلة إذا وُجِدَت الشروط الأخرى التي سنذكرها قريبا؛ وذلك لأن العقل نعمة أنعم الله بها على الإنسان وميزه بها عن سائر الحيوان فهو يميز بها بين الحلال والحرام، والضار والنافع، ولذلك جعل الشارع العقل مناطاُ للتكليف لعلمه أنّ فاقد العقل لا يفرّق بين الضار والنافع, وبالتالي لا يستطيع القيام بالأحكام التكليفية على الوجه الذي أمر الشارع أن تكون عليه، ومن هذا المنطلق قالت الحنفية بعدم وجوب الحداد على المجنونة [17] ؛ لأن العقل هو مناط التكليف كما قلنا والمجنونة فاقدة لهذه الوسيلة فلا يتوجه إليها أمر ولا نهي لأن الشريعة الإسلامية لا تكلف أحداً إلا بما هو في مقدوره وتحت تصرفه على حد قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} . (البقرة: 286) ، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} . (التغابن: 16) . ولا يوجد شيء من ذلك بالنسبة للمجنونة التي ذهب عقلها وحُرمت تلك النعمة، ولهذا قالت العلماء إنها غير مخاطبة بالأحكام التكليفية، والحداد من الأحكام التكليفية فلا يجب عليها، يحقق ذلك كله قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق " [18] . ورفع القلم هنا معناه عدم التكليف لأن من ذكر في الحديث لو كان مخاطباً بالأوامر والنواهي لكان خطابا بما لا يطاق، والشريعة الإسلامية لا تقر هذا، ولا يظلم ربك أحدا. هذا ما رآه الحنفية ولم ير الجمهور هذا الرأي بل قالوا بوجوب الحداد على المجنونة [19] لأنها زوجة ف"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا"هي داخلة تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: [20] فهذا نص عام يفيد إيجاب الإحداد على كل زوجة من غير فرق بين