الناظر في مذاهب الفقهاء يبدو له من أولى وهلة أن الفقهاء على فريقين، فريق يرى عدم الاعتداد بالقرينة ويقول إنها لا تصلح حجة في بناء الأحكام القضائية, وفريق آخر يراها حجة يجوز للقاضي عدها من أدلة الإثبات والفصل في الدعوى بناء على دلالتها.

لننظر مثلا في هذا النص الذي نقلناه عن العلاّمة الحنفي ابن نجيم المصري يقول في كتابه البحر الرائق: "إعلم أنه قد ظهر من كلام المصنف أنّ طرق القضاء ثلاثة: بيّنة، وإقرار، ويمين ونكول عليه, أو القسامة أو علم القاضي بما يريد أن يحكم به ... قال ابن الغرس -ولم أره حتى الآن لغيره-: "أو القرائن الدالة على ما يطلب الحكم به دلالة واضحة بحيث تصيره في حيز المقطوع به "، قال الخير الرملي-أي عن قول ابن الغرس في القرائن-: "هذا غريب خارج عن الجادة فلا ينبغي التعويل عليه ما لم يعضده نقل من كتاب معتمد" [53] .

هذا النص يبيّن لنا اختلاف فقهاء المذهب الحنفي في الاحتجاج بالقرينة، ولكن عند التحقيق نجد أن فقهاء المذهب الحنفي قد اتفقوا على الاعتداد بالقرائن في بعض المواضع، ولذا فإننا نقول إنه لا يخلو مذهب من هذه المذاهب من الاحتجاج بالقرينة, ولكن هذا الاحتجاج يختلف من مذهب لآخر، فبينما يتسع مداه عند فقهاء المالكية ومتأخري الحنابلة ليشمل إعمال القرائن في الحدود والقصاص، يضيق لدى فقهاء الشافعية والظاهرية الذي اقتصدوا في الاحتجاج بها ولم يأخذوا بها إلا حيث بلغت من القوة مبلغ اليقين وأصبح عدم الأخذ بها يخالف بداهة العقول أو يخالف النص الصريح.

ونبرهن على صحة هذا القول بعرض موجز لبعض القرائن التي تحدث عنها الفقهاء، وسأكتفي بسرد موجز لآرائهم, مشيرا إلى المواطن التي اعتمدت عليها في النقل عنهم حتى يتمكّن من يريد الاستزادة في هذا الخصوص من الرجوع إلى هذه المصادر.

أـ قرينة الحيازة ودلالتها على الملك:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015