وأجيب على هذا الاعتراض بأن القرائن كانت كثيرة وكفيلة بصرف هذه التهمة عنه، أما القرينة المذكورة في الآية إنما جاءت دليلا مرجحا ومقويا لتلك القرائن، ومن هذه القرائن التي ذكرها المفسرون أن يوسف - عليه السلام- كان عبدا في ظاهر الأمر والعبد لا يمكن أن يتسلط على مولاه إلى هذا الحد، كما أنهم رأوا أن المرأة زيّنت نفسها على أكمل الوجوه، ولم يكن على يوسف -عليه السلام- آثاراً للتزين. ثم إنّ أحوال يوسف -عليه السلام- في المدة الطويلة تدل على براءته إذ لم يروا منه حالة تناسب إقدامه على مثل هذا الفعل المنكر وذلك مما يقوى الظن. وقيل: إن زوج المرأة كان عاجزا وآثار طلب الشهوة في حق المرأة كانت متكاملة [35] .
فلما حصلت هذه الأمارات الدالة على أن مبدأ هذه الفتنة كانت من المرأة استحى الزوج وتوقف وسكت لعلمه بأن يوسف هو الصادق والمرأة كاذبة، أظهر الله ليوسف دليلا يقوي تلك الدلائل فجاءت تلك القرينة على لسان الشاهد.
كما اعترض على هذه القرينة من ناحية الشاهد المذكور، فقد اختلفوا فيه فقيل: "إنه كان ابن عم المرأة وكان حكيما يستشره الملك"، وقيل: "إنه طفل تكلّم في المهد". فقالوا: إن كان الشاهد طفلا تكلم في المهد لا يكون في الآية دليل على إعمال الأمارات إذ أن الدليل هو كلام الصبي في مهده.
وقد دفع هذا الاعتراض بأنه يستبعد أن يكون الشاهد صبيا بل كان رجلا حكيما وهو الذي يناسب سياق الآية، فلو أنطق الله الطفل لكان كافيا قوله: "إنها كاذبة"ولما احتاج إلى نصب العلامة، ثم قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} ليكون أولى بالقبول في حق المرأة ولو كان صبيا لا يتفاوت الحال كونه من أهلها أو من غير أهلها. كما أن لفظ الشاهد لا يقع في العرف إلا لمن تقدمت معرفته بالواقعة وإحاطة بها [36] .