وربما تقوى هذه القوة على إسماع ذلك لغيرها وعلى تشكيل تلك الصور النورانية لعين الرائي فيرى الملائكة ويسمع كلامهم وكل ذلك من الوهم والخيال.
وهؤلاء الملاحدة لما علموا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن الله تعالى بأنه قال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} قالوا مصانعين للمسلمين: "إن القرآن كلام الله وما جاء به الأنبياء كلام الله"، ولكن حقيقة كلام الله عندهم هو ما ذكرنا, فحرَّفوا نصوص الكتاب والسنة الدالة على كلام الله وتكليمه لعباده على طريقة إخوانهم في تحريف الكلم عن مواضعه.
والنبوّة عند هؤلاء مكتسبة, وحشر الأجساد عندهم مستحيل, والرب سبحانه لا يعلم الجزئيات, إلى غير ذلك من الكفر والضلال.
والذي قاد هؤلاء إلى هذا الكفر الصريح هو عدم إيمانهم بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأخبر به عن الله تعالى وعن المعاد, ولكن لما بهرت عقولهم شمس الرسالة حتى شهد شاهد منهم بأنه لم يطرق العالم ناموس أفضل من هذا الناموس ولم يوافق ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصولهم الفاسدة وآراءهم الكاسدة أصبحوا حيارى نحو ذلك.
فمنهم من لم يؤمن بكثير من ذلك بل يشك فيه أو يكذبه, ومنهم من يقول: "إن ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- تخييل للحقائق وأمثلة مضروبة لتقريبها إلى أفهام العامة, والأنبياء والرسل قد فعلوا ذلك للمصلحة". نعوذ بالله من ذلك.
هذه طريقة الفارابي الملقّب بالمعلّم الثاني لهم, وابن سينا الملقب بالشيخ الرئيس لهم, والطوسي الملقّب بالمحقّق عندهم من المتفلسفة في الإسلام.
يذكر الحافظ ابن القيم في النونية مذهب هؤلاء في كلام الله فيقول:
للمسلمين بإفكٍ ذي بهتان
وأتى ابن سينا القرمطي مصانعاً
الفعال علة هذه الأكوان
فرآه فيضاً فاض من عقل هو
حسن التخييل جيد التبيان