لكن إذا كانت كلمة الكفر نفسها تطلق في الأحاديث ولا يراد بها الكفر الأكبر المخرج من الملة كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" فكيف بلفظتي الفسق والضلال اللتين دون ذلك في الوعيد.
والقرآن- على الصحيح- لم يأت فيه إطلاق الكفر إلا على الكفر الأكبر المخرج من الملة، أما الضلال فورد فيه بمعنى الانحراف عن الحق والصواب مطلقا غير وروده بمعنى الكفر كما سبق.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} . ومعلوم أنه ليس كل عاص كافرا.
وقوله تعالى عن أصحاب الجنة المذكورين في سورة القلم: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} , وهم لم يشهدوا على أنفسهم بالكفر.
وقوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} أي تخطئ فتذكرها الأخرى.
والحاصل أن قولنا إن الأشاعرة فرقة ضالة يعني أنها منحرفة عن طريق الحق ومنهج السنة, ولا يعني مطلقا خروجها عن الملة وأهل القبلة, وهذا يتضح بالفقرة التالية:
2ـ نصوص الوعيد ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "كلها في النار إلا واحدة" لها منهجها المنضبط في مذهب السلف عند الإطلاق وعند التعيين.
فنحن نعلم جميعا أن الله توعد قاتل النفس التي حرم الله والزاني وآكل مال اليتيم بالنار بصريح القرآن لكن هل يعني هذا أن كل قاتل وزان وآكل مال يتيم يدخل النار قطعا, وأننا لو رأينا أحدا منهم بعينه يجوز لنا أن نعتقد دخوله النار؟
ليس هذا من مذهب السلف أبدا، وإنما مذهب السلف أن هذه النصوص تبيّن وتقرّر حكم من فعل هذه الذنوب أما تحقق هذا الحكم فيه وتطبيق الوعيد وتنفيذه فيه فهو متوقف على شروط لابد من تحققها وموانع لابد من انتفائها.