والحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكما, وفى إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلا, وفى الرؤية جعلوه مساويا. فهذه الأمور الغيبية نتفق معهم على إثباتها لكننا نخالفهم في المأخذ والمصدر، فهم يقولون عند ذكر أيّ أمر منها نؤمن به لأن العقل لا يحكم باستحالته ولأن الشرع جاء به ويكرِّرون ذلك دائما، أما في مذهب أهل السنة والجماعة فلا منافاة بين العقل والنقل أصلا, ولا تضخيم للعقل في جانب وإهدار في جانب, وليس هناك أصل من أصول العقيدة يستقل العقل بإثباته أبداً, كما أنه ليس هناك أصل منها لا يستطيع العقل إثباته أبدا.
فالإيمان بالآخرة وهو أصل كل السمعيات ليس هو في مذهب أمل السنة والجماعة سمعيا فقط بل إن الأدلة عليه من القرآن هي في نفسها عقلية كما أن الفطر السليمة تشهد به فهو حقيقة مركوزة في أذهان البشر ما لم يحرفهم عنها حارف. لكن لو أن العقل حكم باستحالة شيء من تفصيلاته -فرضا وجدلا- فحكمه مردود وليس إيماننا به متوقفا على حكم العقل. وغاية الأمر أن العقل قد يعجز عن تصوره أما أن يحكم باستحالته فغير وارد ولله الحمد.
الثالث عشر: التكفير:
التكفير عند أهل السنة والجماعة حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يستحقه شرعا ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بشروطه الشرعية.
أما الأشاعرة فهم مضطربون اضطرابا كبيرا فتارة يقولون: "نحن لا نكفّر أحدا", وتارة يقولون: "نحن لا نكفِّر إلا من كفّرنا", وتارة يكفّرون بأمور لا تستوجب أكثر من التفسيق أو التبديع, وتارة يكفّرون بأمور لا توجب مجرد التفسيق, وتارة يكفّرون بأمور هي نفسها شرعية ويجب على كل مسلم أن يعتقدها.
فأما قولهم: "لا نكفّر أحدا"فباطل قطعا؛ إذ في المنتسبين إلى الإسلام فضلا عن غيرهم كفّار لاشك في كفرهم, وأما قولهم: "لا نكفّر إلا من كفّرنا"فباطل كذلكَ؛ إذ ليس تكفير أحد لنا بمسوِّغ أن نكفِّره إلا إذا كان يستحق ذلك شرعا.