ينكر الأشاعرة أن يكون للعقل والفطرة أيّ دور في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح ويقولون: مردّ ذلك إلى الشرع وحده، وهذا رد فعل مغال لقول البراهمة والمعتزلة: إن العقل يوجب حسن الحسن وقبح القبيح، وهو مع منافاته للنصوص مكابرة للعقول، ومما يترتب عليه من الأصول الفاسدة قولهم: إن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل فإلغاء دور العقل بالمرة أسلم من نسبة القبح إلى الشرع مثلا, ومثلوا لذلك بذبح الحيوان فإنه إيلام له بلا ذنب وهو قبيح في العقل ومع ذلك أباحه الشرع، وهذا في الحقيقة هو قول البراهمة الذين يحرمون أكل الحيوان, فلما عجز هؤلاء عن رد شبهتهم ووافقوهم عليها أنكروا حكم العقل من أصله وتوهموا أنهم بهذا يدافعون عن الإسلام. كما أن من أسباب ذلك مناقضة أصل من قال بوجوب الثواب والعقاب على الله بحكم العقل ومقتضاه.
الحادي عشر: التأويل:
ومعناه المبتدع: "صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى احتمال مرجوح لقرينة", فهو بهذا المعنى تحريف للكلام عن مواضعه كما قرَّر ذلك شيخ الإسلام.
وهو أصل منهجي من أصول الأشاعرة وليس هو خاصا بمبحث الصفات بل يشمل أكثر نصوص الإيمان, خاصة ما يتعلق بإثبات زيادته ونقصانه وتسمية بعض شعبه إيمانا ونحوها, وكذا بَعض نصوص الوعد والوعيد, وقصص الأنبياء, خصوصا موضوع العصمة، وبعض الأوامر التكليفية أيضا.
وضرورته لمنهج عقيدتهم أصلها أنه لما تعارضت عندهم الأصول العقلية التي قرروها بعيدا عن الشرع مع النصوص الشرعية وقعوا في مأزق رد الكل أو أخذ الكل فوجدوا في التأويل مهربا عقليا ومخرجا من التعارض الذي اختلقته أوهامهم ولهذا قالوا إننا مضطرون للتأويل وإلا أوقعنا القرآن في التناقض. وإنّ الخلف لم يؤوِّلوا عن هوى ومكابرة وإنما عن حاجة واضطرار؟ فأي تناقض في كتاب الله يا مسلمون نضطر معه إلى رد بعضه أو الاعتراف للأعداء بتناقضه؟.