إن الإيمان أيها الإخوة القارئون بمثابة محرك السيارة الآلية، فإنه متى كان صالحا حرك السيارة ودفع بها إلى الأمام، وبقدر ما يصب عليه الوقود تزداد حركته وسرعته، وبقدر ما ينقص الوقود تنقص قوته وسرعته وكذلكم الإيمان سواء بسواء. فالإيمان الذي لا يقوى على دفع المؤمن إلى أعلى المراتب كالجهاد بالنفس والمال، أو أدناها كترك الشر والبعد عن الإثم ليس بإيمان، والمؤمن الذي يدعى إلى خير فتتلى عليه الآيات الداعية إليه والحاضة عليه فلا يتحرك ولا يجيب يستحي العاقل أن يقول فيه: مؤمن، أو يصفه بالإيمان، إذ للإيمان حقيقته ككل الأشياء، فإذا لم توجد تلك الحقيقة فمن المكابرة أو المغالطة أن يسمى هذا إيمانا وصاحبه مؤمنا.
وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرّ ذات مرة يوم بحارثة الأنصاري فقال له - بعد السلام -: "كيف أصبحت يا حارثة؟ "قال: "أصبحت مؤمنا حقا"، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "انظر ما تقول, فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ فقال حارثة: "عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي, وأظمات نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني انظر إلى أهل النار يتضاغون فيها (يتصياحون) ", فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: "يا حارثة عرفت فالزم- ثلاث مرات -".
والشاهد من إيراد هذا الأثر إثبات هذه الحقيقة العلمية وهي أن لكل شيء حقيقة من طريق الاستدلال بالسنة النبوية.