الوجه الثاني: أن الأمر في قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أمر كوني قدري لا أمر شرعي، أي قدرنا عليهم الفسق بمشيئتنا، والأمر الكوني القدري كقوله: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} ، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، والأمر في قوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أمر شرعي ديني فظهر أن الأمر المنفي غير الأمر المثبت.

الوجه الثالث: أن معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} : أي كثرناهم حتى بطروا النعمة ففسقوا، ويدل لهذا المعنى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد مرفوعا من حديث سويد بن هبيرة ـ رضي الله عنه ـ: "خير مال امرئ مهرة مأمورة أو سكة مأبورة"فقوله مأمورة أي كثيرة النسل وهي محل الشاهد.

قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} الآية، وأمثالها من الآيات كقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} ، وقوله: {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} ، وقوله: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} الآية، لا يعارض قوله تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} ، ولا قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} ، لأن معنى {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} ونحوه أي نتركهم في العذاب محرومين من كل خير والله تعالى أعلم.

· قوله تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} الآية، هذه الآية تدل على شبه العصا بالثعبان وهو لا يطلق إلا على الكبير من الحيات وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك وهي قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} الآية، لأن الجان هو الحية الصغيرة، والجواب عن هذا أنه شبهها بالثعبان في عظم خلقتها وبالجان في اهتزازها وخفتها وسرعة حركتها فهي جامعة بين العظم وخفة الحركة على خلاف العادة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015