وعلى العموم فإن تعطيل هذه العقوبات مدعاة إلى تعطيل أحكام الشرع وانتشار الفساد والفوضى في المجتمع، وتطبيقها هو الضمان الوحيد لتنفيذ أحكام الشرع وقطع دابر الفساد والحفاظ على النظام والأمن والاطمئنان.
وما يُرى الآن في بعض المجتمعات من مفاسد وفوضى واضطراب واختلال أمن وكثرة جرائم إنما هو بسبب تعطيل العقوبات في الشريعة الإسلامية التي شرعها وأنزلها العليم الخبير بهذا الكون وما يصلحه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُون} (المائدة: 5) .
وتأديب الجاني ليس للانتقام والتشفي منه وإنما لإصلاحه، والعقوبات على اختلاف أنواعها تتفق- كما يقول الفقهاء- في أنها "تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب" [2] .
فهي إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم ولذا يجب على من يؤدب المذنبين أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهَم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.
هذا وقد نشأت مذاهب مختلفة في العقوبة تعددت اتجاهاتها في الغرض منها.
فمذهب يقول: إن العقوبة يجب أن تكون انتقامية فلابد أن ينال الجاني جزاء ما اقترفت يداه حتى يشعر بأن النتائج الشريرة لجرائمه وبال عليه هو.
ومذهب يقول: يجب أن تكون العقوبة رادعة فالغاية منها ردع الجاني وزجره عن العودة للجناية.
ومذهب يقول: يجب أن تكون العقوبة واعظة للغير فالغاية منها زجر الناس عن ارتكاب جرائم تشبه جريمة الذي يعاقب المجرم من أجلها فهي تعظ قوما ليسوا مجرمين لكيلا يصبحوا يوماً مجرمين.
ومذهب يقول: يجب أن تكون العقوبة مصلحة فمعاقبة الجاني الغاية منه أولاً وآخراً هو إصلاح الجاني لا الانتقام منه واكتفاء شره ولا عظة غيره [3] .