قال أبو جعفر بن جرير في تفسير هذه الآية: يعنى بذلك جل ثناؤه: وتعلقوا بأسباب الله جميعاً، يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدينه الذي أمركم به وعهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله، ثم استدل على ذلك بما أخرجه عن عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- من طريقين أنه قال في هذه الآية: حبل الله الجماعة.
وفي هذه الآية دليل على أن لزوم جماعة المسلمين من ضرورات هذا الدين، ومما يوضح ضرورة لزوم جماعة المسلمين مع التمسك بأصول الدين ما أخرجه الإمام مالك وأحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاّه الله أمركم، ويسخط لكم قيل وقال وإضاعة المال، وكثرة السؤال " [2] .
وهذا صريح في أن المسلمين لن يحوزوا رضا الله جل وعلا عنهم إذا رضوا بالتفرق والانقسام ولم ينصحوا لولاة أمورهم بما ينجيهم وإياهم من المسئولية أمام الله تعالى وإن كانوا قد عبدوا الله وحده ولم يشركوا به شيئاً لأن ذلك من تحقيق توحيده.
وقد جاء الأمر صريحاً من رسوله الله صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة كما جاء في حديث عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية. فقال: يا أيها الناس إني قمت فيكم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أوصيكم بأصحابي ... إلى أن قال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة [3] . فليلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن". رواه الإمام أحمد والترمذي وعبد الرزاق الصنعاني [4] .