تتضمن هذه الآيات الكريمة الثلاث أن الله جل وعلا قد أنشأ للناس السمع والأبصار والأفئدة، وجعل فيها من المنافع الدينية والدنيوية ما يفوق العدّ والوصف، فهي من أعظم النعم التي أنعمها الله تعالى على عباده، فكان حقاً عليهم أن يُعملوا هذه الأعضاء فيما خلقها الله جل وعلا من أجله، فيسمعوا آياته التي تسمع، ويبصروا آياته التي تبصر، ويستدلوا بقلوبهم على أن الذي خلق هذه الآيات كلها واحد لا شريك له، فيشكروا له عز وجل هذه النعم ومن شكر النعم الإقرار بالمنعم بها ونفي الند والشريك له، ولكن الناس قليلا ما يشكرون الله تعالى وهو الذي خلقهم في هذه الأرض وبثهم فيها وإليه يرجعون ليجازيهم على أعمالهم، وهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي جعل الليل والنهار يتعاقبان في دقة وإحكام، ويختلفان على تقدير وانتظام، وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورا. وفي ختام هذه الآيات قال تعالى {أَفَلا تَعْقِلُونَ} ، وهو استفهام إنكار وتوبيخ: ينكر الله سبحانه وتعالى على هؤلاء الناس الذين لا يؤمنون، ينكر عليهم ألا يكون عندهم عقل يفكر وينظر ويستبصر وقلب يفقه، ويوبخهم على أن لم يتدبروا آيات الله التي يسمعون، وآياته التي يبصرون، ومنها آية الليل ليسكنوا فيه وآية النهار المبصر ليبتغوا فيه من فضله، يتعاقبان بدقة ويختلفان بانتظام، ويتواليان بحساب فلا خلل ولا اضطراب، يوبخهم على أن لم يتدبروا ذلك فيدركوا أن الله الذي خلق هذه الآيات وهو الذي يحيي ويميت هو الواحد الذي لا شريك له، وهو القادر على أن يعيد الحياة مرة ثانية إلى من أماته بعد إحيائه أول مرة.
الآية الثانية عشرة قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ} . الآية (60) من سورة القصص.