وقد لوحظ أن عددا كبيراً من شباب البلدان التي منيت بالاستعمار قد رحلوا إلى طلب العلم في جامعات البلاد المستعمرة، ولئن كان المستعمرون قد استهدفوا من وراء ذلك إعداد جيل من المثقفين بالثقافة الغربية ليكونوا همزة الوصل بينهم وبين شعوبهم، وليقوموا بالتبشير بالفكر الغربي والحضارة الغربية في بلادهم، فإن جماعة من هؤلاء الوافدين استطاعوا أن يزاحموا بفكرهم الإسلامي في خضم تيار الحياة الأوربية الجارف، وأن يسمعوا أصواتهم المسلمة في ساحات البحث وعلى موائد الحوار مع كبار مفكري الغرب، كما فعل الشيخ هداية الله الهندي، الذي دخل في حوار جمع سير جيمس أكبر علماء الفلك في عصره، وانتزع منه شهادة إعجاب بالإسلام وتقدير لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وقد أورد وحيد الدين خان تفصيل هذا الحوار في كتابه (الإسلام يتحدى) . وكما صنع العلامة إقبال فقد عاد إلى بلاده، وهو أشد حماسا للإسلام وتفانياً في الدعوة إليه، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن بعضهم حاول تقديم الإسلام للغربيين في لغاتهم كما فعل عبد الله يوسف علي الذي عكف على ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية على مدى أربعين عاما قضاها في بلاد الإنجليز، ولا زالت ترجمته حتى الآن تعتبر أكثر الترجمات قبولا من جمهور المسلمين، وإن كانت لنا عليها بعض الملاحظات كنا ننبه إليها قراء الترجمة من المسلمين الإنجليز، أو الراغبين في اعتناق الإسلام.

والذي لاشك فيه أن حياة بعض الغربيين في بلاد المسلمين، وإقامة جاليات إسلامية في بلاد الغرب قد هيأ فرصة لمزيد من المعرفة بالإسلام، والاهتمام به، والفهم الصحيح لأصوله مما سنرى آثاره فيما بعد، وترتب على ذلك أن توارت بعض كتابات المستشرقين التي كانت تحاول بكل ما أوتيت من وسائل الباطل أن تغض من قيمة الإسلام، وتسيء إلى كتابه ونبيه وتاريخه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015