وقال ابن سعد صاحب الطبقات الكبرى: (وكانت - السيدة - خديجة ذات شرف ومال وتجارة، تبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال، وتدفع المال مضاربة) [6] .
ومما تجدر الإشارة إليه أن تجارتها كانت عظيمة، وأن أموالها كانت كثيرة والربح موفورا، لكنها لم تشترك مع التجار في أمر ما، ولم يعرف عنها أنها خرجت إلى الأسواق، أو غادرت بيتها لعرض أو طلب.
وكان للبيئة أثرها البعيد في حياتها، فالبيت العتيق مقدس عندها، وله رب واحد تتجه إليه بالدعاء والشكر؛ لأنه مصدر الخير، وهو الذي يعطي ويمنع، وما كانت تفعله فمن أجله سبحانه وتعالى، فطالما أطعمت الفقراء، وساعدت المحتاجين، وآوت البائسات، وكان بيتها متجه كل ذي طلب، فهي توقن أنه سبحانه هو المجازي على العمل، وهو الذي يكافئ المنفق ويعاقب الممسك.
ولذا حينما جاءها النبي صلى الله عليه وسلم ينتفض جسمه بعد أن جاءه جبريل عليه السلام أول مرة وهو يقول: "دثروني، دثروني"، قالت له: (كلا، لا يخزيك الله أبدا؛ والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكَل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) .
فهي قد أدركت الثواب والعقاب الذي شرعه خالق الكون، فمن يفعل الخير لا يجازيه الله إلا خيرا، ومن يفعل الشر لا ينال إلا شرا، وكأنها تقول: إن ما يحدث لك لا يكون إلا خيرا؛ لأنك لا تعمل إلا للخير، ولا تتصف إلا بصفات الخير، فمثلك لا يخزيه الله أبدا.
وكان ابن أخيها حكيم بن حزام كريما في الجاهلية، عطوفا على الفقراء، لكنه كان يسجد للأصنام، فكانت تطلب منه أن يتجه بعمله إلى خالق الأرض والسماوات، رب البيت العتيق الذي لا ينبغي السجود إلا له وحده.