ولا شك في أن الذين أتوا إلى مكة أعجبوا بما تتحلى به نساء مكة من احترام الرجل القرشي لهن، ومشاركتهن للرجال في كثير من الأمور، فلقد قدّرها الرجل في تلك البقعة، وترك لها الحرية المقيدة بعادات وتقاليد الأحرار البعيدة عن كل ما يشين، وعرفت المرأة ذلك، فكانت عالية الهمة، شامخة الرأس، يحيطها الخلق الحسن والمعرفة لما يجب عليها تجاه مجتمعها.
وقد كان وأد البنات شائعا في العرب كما أخبر القرآن الكريم.
ولما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة - قيس بن عاصم، واعترف أمامه بأنه ما ولدت له بنت إلا وأدها، سأله أحد المهاجرين قائلا:
ما الذي حملك على وأد بناتك وأنت أكثر العرب مالا؟
فقال وهو مسرع في إجابته: مخافة أن يتزوجهن مثلك.
فبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "هذا سيد أهل الوبر".
وكانت المجتمعات العربية التي لم تُبتل في الجاهلية بعادة وأد البنات، تفضل الولد على البنت؛ لما يقوم به الولد من عون لأهله في جميع مناحي الحياة، ومساعدة للأدب وللمجتمع، وما نشك في أن المجتمع المكي كان كذلك، ولكن عندما كانت تولد لهم بنت فإنهم يحسنون تربيتها، ويؤهلونها لكي تشترك بصفة ما في إقامة مجتمعهم.
فلا عجب إن رأينا السيدة خديجة رضي الله عنها مثلا أعلى لهذا المجتمع في كل ما عملت، وكل ما أقدمت عليه، وكانت سيرتها الحسنة مثلا يضرب، ولا ننكر أنه كانت لهذه البيئة أثرها الكبير في تكوينها، وفوق هذا كانت رعاية الله تكلؤها وتحفظها، فهي ستكون أما للمؤمنين، ولأمهات المؤمنين مكانة خاصة عند الله منذ الصغر، فهن في الحفظ والصون حتى يأتي دور كل واحدة منهن؛ فتؤديه خدمة لهذا الدين.
وقد أجمع المؤرخون على القول بأن السيدة خديجة رضي الله عنها ورثت عن أبويها جمال الخَلق والخُلق، وقد ساعدت البيئة على إبراز شخصيتها التي تجبر كل من رآها على الاحترام والإكبار والتقدير.