ومكة بلدة مكرمة ومقدسة منذ بدء الخليقة، وإلى أن تقوم الساعة، وذهب الناس في تعليل هذا الشرف والفضل إلى كثير من الأسباب حتى قيل: إن الله شرفها لأنها نقطة منتصف الأرض، وإلى هذا أشار أحد العلماء المصريين في استخدامه للكومبيوتر للدراسات القرآنية في أمريكا، ومن دراسته لمقاييس الكرة الأرضية، فقال: (إن مكة قلب الأرض؛ فلو تصورنا أن الأرض إنسان لوجدنا أن مكان مكة موضع القلب بالنسبة له) .
وورد قديما للعلامة القاضي أبي زيد الدبوسي المتوفى عام 413 من الهجرة في مخطوطته النادرة المسماة (الأمد الأقصى) قوله في مكة المكرمة - مقررا نفس المعنى بصورة أخرى - قال: (فهي أم القرى، وبمنزلة الرأس من الجسد لسائر الدنيا، فأول بيت وضع للناس ببكة مباركا، وأول جزء ظهر من الأرض تلك البقعة، كما يظهر أول شيء من الإنسان رأسه عند الوقفة.. وبهذا - والله أعلم - سمت مكة (أم القرى) ، كما يسمى موضع الدماغ أم الرأس، ون مرجع الولد إلى أمه أو منها كان المبدأ، ومرجع البدن الرأس ومرجع القرى إلى مكة، ومنها الابتداء) .
كان الحرم آمنا، يأمن من التجأ إليه إلا إذا تعدى فيه بما أوجب حدا.
وقالوا في تسميتها مكة - وهو المشهور من أسمائها [1]-: لأنها تمُكّ الجبارين، أي تذهب شدتهم؛ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (الفتح: 24) .
وقيل: لأنها تمُكّ الفاجر، أي: تخرجه منها [2] .
وقيل أيضا: إنها سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول: لا يتم حجنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمُكّ فيه، أي نصفر صفير المكاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا كانوا بها.
وقيل: سميت بهذا الاسم لأنها تمكّ الذنوب، أي: تذهب بها كما يمُكّ الفصيل ضرع أمه، فلا يبقى فيه شيء.