فلا غرابة إذن إذا نبغ في القضاء عدد من الصحابة رضوان الله عليهم , أمثال عليّ رضي الله عنه , الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى اليمن قائلاً: "إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول , فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء. قال عليّ: فما زلت قاضياً وما شككت في قضاء بعد " [2] .
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي جمعت رسالته إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أحدث النظريات في النظم القضائية [3] . ومنهم عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت رضي الله عنهم , وغير هؤلاء كثيرون.
فجاء بذلك الفقه الإسلامي منذ فجره حاوياً لنظامه القضائي الذي يتسق مع عدله وشموله , ومن يرجع إلى كتب الفقه الإسلامي يجد بحوث الفقهاء القيمة في مختلف فروعالقضاء , في ضبط الدعوى وشروطها , ونظام قبولها وردها. وفي مراتب القضاء المطلق منه والمقيد كالحسبة وولاية المظالم , وفي أدب القاضي وما يجب ان يتصف به , وإمكان تخصيصه بالزمان والمكان والدعوى , وفي علاقة القاضي بالحاكم , وغيره من علوم القضاء.
ولعل أهم هذه العلوم ذلك الذي يتعلق بالإثبات. والإثبات كما يعرفه رجال القانون الوضعي هو: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يجدها القانون على صحة واقعة قانونية يدعيها أحد طرفي الخصومة وينكرها الطرف الآخر " [4] أو هو ما عرف عند فقهاء الشريعة الإسلامية بطرق القضاء.