1- المتنبي: لهذا الشاعر العبقري جوانب نفسية متعددة تتراءى في شعره جميعاً فهناك الطموح الغالب , وهناك القوة الأصيلة , وهناك الضعف الطارئ , وهناك التعالي المنبثق عن الشعور بالعزة , وهناك الاتضاع المصنوع من الحاجة , ثم هناك الأمل القوي الجارف إلى جانب التشاؤم المظلم اليائس.. ثم هناك مُثُل الإسلام العليا من جهاد للباغين وغيرة على المسلمين أن يذلوا للظالمين , إلى جانب نزوات من عبادة الذات يجعل نفسه غاية الغايات , وتدفعه في غير وعي إلى الاستحقاق بالنبيين أو اصطناع أساليب الباطنيين في تجسيم رب العالمين والعياذ بالله.
فالمتنبي والحالة هذه عالم رحب الآفاق تتعذر الإحاطة به إلا على ذوي الاختصاص العالي , ففيم نقحم الطالب المسكين في غمار أمواجه المضطربة دون تخير لما يناسب طاقته العقلية والنفسية! .. فالتشاؤم المفرط , والفردية المغرقة , والخروج على مقاييس الدين الصحيح , وما إلى ذلك من أمراض نفسية تنصب على الرجل من مختلف الينابيع القاهرة لإرادته , أمور يجب إرجاء بحثها إلى الوسط الجامعي , وحسبنا من المتنبي في هذا القسم بقية الجوانب التي تساعدنا على إحياء المناقب المثلى , وتظهرنا على قدرة العقلية والذكاء العربيين.
2- المعري: وأمر المعري في هذا المناهج أمرُّ من أمر صاحبه أبي الطيب , فالمناهج يفرض دراسة نماذج من رثائه وحكمته ونقده ونثره , أما المؤلفون فكأنهم ملزمون أن لا يدعوا شيئاً من كفريات الرجل وضلالاته دون عرض وتوسيع , وما أدري أي الفوائد يمكن لطالب عادي أن يجنيها من تناقضات أبي العلاء وهي التي تحير في أمرها أساطين الباحثين من القدامى والمحدثين! .. اللهم إلا إذا كان المقصود إليه من ذلك هو التمكين لهذه الحيرة في أذهان هذا النشء المسكين , وهو في السن التي فتحتها الأقدار لهذه الأكدار! ..