هذه الحقيقة كانت حاضرة عند إنشاء كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية. تبدي حضورها في التلازم الكبير بين العلوم اللغوية والعلوم الإسلامية في مناهجها، وفي اهتمام الكلية بالتراث، وفي قائمة العلوم الإسلامية اللازمة لكل داعية والتي تجاور العلوم اللغوية المستله من المؤلفات الرائعة التي وضعها سلفنا من العلماء خدمة لكتاب الله.
أما الأدب فأمره مختلف عن العلوم اللغوية كلها، ذلك أن تاريخه المدون لا يخلو من دخن كثير، وصورته الماثلة في دواوين القراء وكتب التراجم والأخبار منذ العصر الجاهلي إلى مشارف العصر الحديث تتراوح بعين الارتباط بالأخلاق والعقيدة- أو مراعاتها على أقل تقدير- والتفلت في صحاري الجاهلية وأودية الهبوط، وقد حملت قصيدة المدح مع قصيدة الغزل الماجن مهمة تشويه جزء من الأدب العربي، وساعدتا المستشرقين وتلامذتهم من المتغربين على طمس الحقيقة، إلى درجة جعلت الدكتور طه حسين يعد أبا نواس في مجونه صورة للعصر العباسي. والدكتور طه حسين يعلم قبل غيره أن أبا نواس وشعره جزء صغير من العصر العباسي وأن هذا العصر لم يكن ماجناً ولا داعراً على النحو الذي يصوره شعر أبي نواس.
وقد انسحبت هذه الصورة الشوهاء المزيفة على النقد وأثرت في المعايير النقدية. وذلك عندما أخذ بعض الدارسين مقولات نقدية لا تهتم بالجانب الخلقي أو العقيدي وعدوها صورة للنقد العربي كله. وكان الإنصاف يقتضي منهم أن يعترفوا بأن النقد الذي لا يعبأ بالأخلاق موجود عند عدد قليل من النقاد وبأن القواعد الخلقية والعقيدية موجود أيضاً وبكثرة تنافس النوع الأول.