على أي حال كان على الشعب المغلوب على أمره أن يصبر حتى تنفرج الأزمة وتنكشف الغمة وتنتهي المعركة، وما أشق ساعات الانتظار على النفس، وما أطول ما تمضي دقائقها بطيئة متعثرة، وما أكثر الهواجس التي تلم بتفكير الإنسان في لحظات الانتظار.

وكانت ساعات حرجة مرت بالشعب البائس الذي طالما استعبدته الشعوب المتغلبة، ولا يدري أحد ماذا كان يدور برؤوس الناس هناك، هل كانوا يتمنون انتصار الروم ولو أذاقوهم سوء العذاب إبقاء على دينهم، وعصبية لعقيدتهم؟ ولكن هل ترك لهم الروم دينهم حسبما آمنوا به؟ ألم يجبروهم على التخلي عن مذهبهم ليدخلوا في مذهب الملك الغالب؟ فلماذا إذاً يتمنون انتصار الروم؟

هل تظن أنهم كانوا ينتظرون انتصار المسلمين ليتخلصوا من ظلم الروم ولو حين؟ ولكن من يضمن لهم أن المسلمين سيكونون خيرا من غيرهم؟ فلا داعي كذلك لتمني انتصار المسلمين.

لهذا كله وقف قبط مصر من المعركة موقف الحذر المتربص ينتظر، من سيكون سيد الموقف وعلى من تدور الدائرة، ورأى أن من الخير له ألا يظهر تأييده لأحد الفريقين فقد تأتي الرياح بما لا يشتهى السفن، وحينئذ لا ينفع الندم.

استتب الأمر للمسلمين في الوجهين القبلي (مصر العليا) والبحري (مصر السفلى) كما استقر لهم في مصر الوسطى (الفسطاط) ، وفكر عمرو في العودة إلى الإسكندرية ليتمم فتحها، وفي الوقت نفسه فكر الروم في تزويد المدينة بكل ما تحتاج إليه لتستطيع التصدي لهجمات المسلمين المنتظرة، فكانت المراكب تفد إِلى الإسكندرية من قبل ملك الروم دون أن يمنعها مانع فقد كان البحر المتوسط يومئذ خاضعاً لسلطان الروم دون منافس حتى أطلق عليه مؤرخو تلك الفترة بحر الروم، وكانت تلك المراكب تحمل الجنود والعتاد، والمؤن والزاد، حتى أصبحت الإسكندرية وكأنها مستودع للرجال والتموين، وأصبح أهلها في منعة من عدوهم، فزادهم ذلك تشبثا بالدفاع عنها والتضحية لإنقاذها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015