وبذلك دانت أرض مصر كلها للمسلمين، وخضعت لسلطانهم، واطمأن أهل مصر للفاتحين الجدد وإن كانوا لا يزالون على حذرهم وحيطتهم، فكم جربوا قبلهم من الغزاة، ولم يجدوا عند أحد منهم ما يشجعهم على التفاؤل أو يشير إلى أنهم سيمنحون أصحاب البلاد حقهم في حكم أنفسهم والمشاركة في خيرات بلادهم، فقد غزاهم الهكسوس في القرن الثامن عشر قبل الميلاد واستأثروا بحكم البلاد وخيراتها وسخروا المصريين لخدمتهم، وفي عام 332 قبل الميلاد غزاهم البطالسة (الإغريق) بقيادة الإسكندر المكدوني فقضى على الفراعنة، وأسس الإسكندرية واتخذها القائد بطليموس عاصمة، وانفرد بحكم البلاد هو ومعاونوه من الغزاة ونسوا أن للبلاد سكانا أصليين ينبغي أن يؤخذ رأيهم في حكم بلادهم، ثم جاء الرومان، وكرروا المأساة نفسها، وهاهم أولاء يسيمون الشعب المصري صاحب البلاد ألواناً شتى من الاضطهاد وتغلب الفرس على الروم واحتلوا مصر عشر سنوات فلم يكونوا خيراً ممن سبقهم، ثم عاد الرومان فساروا سيرتهم الأولى.
فهل يكون العرب الفاتحون خيراً من هؤلاء جميعا، لم يخطر ببال المصريين وقد مروا بهذه التجارب كلها أن يكون هناك غزاة خيرا من غزاة أو محتلون أفضل من محتلين، ومن أين تأتي تلك الخيرية؟ وما الذي يفضل هؤلاء على أولئك؟ أليسوا جميعا غزاة يدفعهم إلى الغزو حب التسلط والغلبة؟ أوليسوا جميعا محتلين لم يخرجهم من بلادهم إلى الطمع فيما وراء الإحتلال من تسخير أصحاب البلاد التي احتلوها ليكونوا لهم عبيدا، واستغلال ثروات البلاد لمآربهم الشخصية ومطامعهم الذاتية؟.
لا فرق إذاً بين عربي وعجمي فكلهم يسيرون في اتجاه واحد، وسائلهم واحدة الحرب والدمار، وغايتهم واحدة التسلط والاستغلال، ولا أمل في طائفة منهم يحقق للشعوب المغلوبة حريتها، ويثبت لها ذاتيتها.